سورة فصلت - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


قوله تعالى: {تنزيلٌ} قال الفراء: يجوز أن يرتفع {تنزيلٌ} ب {حم}، ويجوز أن يرتفع بإضمار هذا. وقال الزجاج: {تنزيلٌ} مبتدأ، وخبره {كتابٌ فُصِّلَتْ آياتُه}، هذا مذهب البصريِّين و{قرآناً} منصوب على الحال، المعنى: بُيِّنَتْ آياتُه في حال جَمْعِه، {لقومٍ يَعْلَمونَ} أي: لِمَن يَعلم.
قوله تعالى: {فأعْرَضَ أكثرُهم} يعني أهل مكة {فهم لا يَسمعونَ} تكبُّراً عنه، {وقالوا قلوبُنا في أكنَّة} أي: في أغطية فلا نفقه قولك. وقد سبق بيان الأكنَّة والوَقْر في [الأنعام: 25]. ومعنى الكلام: إنّا في تَرْكِ القبول منكَ بمنزلة من لا يَسمع ولا يَفهم، {ومِن بينِنا وبينِكَ حِجابٌ} أي: حاجزٌ في النِّحلة والدِّين. قال الأخفش: و{من} هاهنا للتوكيد.
قوله تعالى: {فاعْمَلْ} فيه قولان:
أحدهما: اعمل في إبطال أمرنا إنا عاملون على إبطال أمرك.
والثاني: اعْمَلْ على دِينكَ إنا عاملون على ديننا.
{قُلْ إنما أنا بَشَرٌ مثلُكم} أي: لولا الوحي لَمَا دعوتُكم.
{فاستقيموا إليه} أي: توجَّهوا إِليه بالطاعة، واستغفِروه من الشرك.
قوله تعالى: {الذين لا يؤتون الزكاة} فيه خمسة أقوال.
أحدها: لا يشهدون أن لا إله إلا الله رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة. والمعنى: لا يطهِّرون أنفُسَهم من الشرك بالتوحيد.
والثاني: لا يؤمِنون بالزكاة ولا يُقِرُّون بها، قاله الحسن، وقتادة.
والثالث: لا يزكُّون أعمالهم، قاله مجاهد، والربيع.
والرابع: لا يتصدَّقون، ولا يُنفِقون في الطاعات، قاله الضحاك، ومقاتل.
والخامس: لا يُعطُون زكاة أموالهم، قال ابن السائب: كانوا يحُجُّون ويعتمرون ولا يزكُّون.
قوله تعالى: {غيرُ ممنون} أي: غير مقطوع ولا منقوص.


قوله تعالى: {خَلَق الأرضَ في يومين} قال ابن عباس: في يوم الأحد والاثنين، وبه قال عبد الله بن سلام، والسدي، والأكثرون. وقال مقاتل: في يوم الثلاثاء والأربعاء. وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: «خَلَقَ اللهُ عز وجل التربة يومَ السبت، وخلق الجبال فيها يومَ الأحد، وخلق الشجر فيها يومَ الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النُّور يوم الأربعاء، وبثَّ فيها الدواب يومَ الخميس»، وهذا الحديث يخالِف ما تقدَّم، وهو أصح.
قوله تعالى: {وتَجعلونَ له أنداداً} قد شرحناه في [البقرة: 22] وذلك الذي فعل ما ذُكر ربُّ العالَمَين.
{وجعل فيها رواسيَ} أي: جبالاً ثوابت من فوق الأرض، {وبارك فيها} بالأشجار والثمار والحبوب والأنهار، وقيل: البَرَكة فيها: أن ينميَ فيها الزرع، فتخرج الحبّة حبّات، والنواة نخلةً {وقدَّر فيها أقواتَها} قال أبو عبيدة: هي جمعُ قوت، وهي الأرزاق وما يُحتاج إليه.
وللمفسرين في هذا التقدير خمسة أقوال:
أحدها: أنه شقَّق الأنهار وغرس الأشجار، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه قسم أرزاق العباد والبهائم، قاله الحسن.
والثالث: أقواتها من المطر، قاله مجاهد.
والرابع: قدَّر لكل بلدة ما لم يجعله في الأخرى كما أنَّ ثياب اليمن لا تصلح إلا ب اليمن والهرويَّة ب هراة، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، قاله عكرمة، والضحاك.
والخامس: قدَّر البُرَّ لأهل قُطْرٍ، والتَّمْر لأهل قُطْرٍ، والذُّرَة لأهل قُطْرٍ، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {في أربعة أيّام} أي: في تتمة أربعة أيّام. قال الأخفش: ومثله أن تقول: تزوجت أمس امرأة، واليومَ ثنتين، وإحداهما التي تزوجتها أمس.
قال المفسرون: يعني: الثلاثاء والأربعاء، وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام.
قوله تعالى: {سواءً} قرأ أبو جعفر: {سواءٌ} بالرفع. وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: {سواءٍ} بالجر. وقرأ الباقون من العشرة: بالنصب قال الزجاج: من قرأ بالخفض، جعل {سواءٍ} من صفة الأيّام فالمعنى: في أربعة أيّامٍ مستوِياتٍ تامَّاتٍ؛ ومن نصب، فعلى المصدر؛ فالمعنى: استوت سواءً واستواءً؛ ومن رفع، فعلى معنى: هي سواءٌ.
وفي قوله: {للسّائلِينَ} وجهان.
أحدهما: للسائلين القوت، لأن كلاًَ يطلُب القوت ويسألُه.
والثاني: لمن يسأل: في كم خُلقت الأرضُ؟ فيقال: خُلقتْ في أربعة أيّام سواء، لا زيادة ولا نقصان.
قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} قد شرحناه في [البقرة: 29] {وهي دخان} وفيه قولان:
أحدهما: أنه لمّا خلق الماء أرسل عليه الريح فثار منه دخان فارتفع وسما، فسمّاه سماءً.
والثاني: أنه لمّا خلق الأرض أرسل عليها ناراً، فارتفع منها دخان فسما.
قوله تعالى: {فقال لها وللأرض} قال ابن عباس: قال للسماء: أظْهِري شمسكِ وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شقِّقي أنهاركِ، وأخْرِجي ثمارك، {طوعاً أو كَرْهاً قالتا أتينا طائعِين} قال الزجاج: هو منصوب على الحال، وإنما لم يقل: طائعات، لأنهنَّ جَرَيْنَ مجرى ما يَعْقِل ويميِّز كما قال في النجوم:
{وكُلٌّ في فلك يسبحون} [يس: 40]، قال: وقد قيل: أتينا نحن ومَنْ فينا طائعين.
{فقضاهنّ} أي: خلقهنّ وصنعهنّ، قال أبو ذئيب الهذلي:
وعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا *** داوُدُ أَو صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
معناه: عَمِلَهما وصَنَعهما.
قوله تعالى: {في يومين} قال ابن عباس وعبد الله بن سلام: وهما يوم الخميس ويوم الجمعة. وقال مقاتل: الأحد والإثنين، لأن مذهبه أنها خُلقتْ قبل الأرض. وقد بيَّنّا مقدار هذه الأيام في [الأعراف: 54].
{وأوحى في كل سماءٍ أمرها} فيه قولان:
أحدهما: أوحى ما أراد، وأمر بما شاء، قاله مجاهد، ومقاتل.
والثاني: خَلَقَ في كل سماءٍ خَلْقَها، قاله السدي.
قوله تعالى: {وزيَّنّا السماءَ الدنيا} أي: القُرْبى إلى الأرض {بمصابيحَ} وهي النًّجوم، والمصابيح: السُّرُج فسمِّي الكوكب مصباحاً لإضاءته {وحِفْظاً} قال الزجاج: معناه: وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حِفْظاً.


قوله تعالى: {فإن أعرضوا} عن الإيمان بعد هذا البيان {فقُل أنذرتُكم صاعقةً} الصاعقة: المُهلِكُ من كل شيء؛ والمعنى: أنذرتُكم عذاباً مثلَ عذابهم. وإنما خَصَّ القبيلتين، لأن قريشاً يمُرُّون على قرى القوم في أسفارهم.
{إذ جاءتهم الرُّسُل من بين أيديهم} أي: أتت آباءهم ومَنْ كان قبلهم {ومِنْ خَلْفهم} أي: من خلف الآباء، وهم الذين أُرسلوا إلى هؤلاء الُمهلَكين {ألاّ تعبُدوا} أي: بأن لا تعبُدوا {إلا اللهَ قالوا لو شاءَ ربُّنا} أي: لو أراد دعوة الخلْق {لأنزل ملائكةً}.
قوله تعالى: {فاستكبَروا} أي: تكبَّروا عن الإِيمان وعَمِلوا بغير الحقِّ. وكان هود قد تهدَّدهم بالعذاب فقالوا: نحن نقدر على دفعه بفضل قوَّتنا. والآيات هاهنا: الحُجج.
وفي الرِّيح الصَّرصر أربعة أقوال:
أحدها: أنها الباردة، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقال الفراء: هي الرِّيح الباردة تحرق كالنار، وكذلك قال الزجاج: هي الشديدة البرد جداً؛ فالصَّرصر متكرِّر فيها البرد، كما تقول: أقللتُ الشيء وقلقلتُه، فأقللتُه بمعنى رفعتُه، وقلقلتُه: كرَّرتُ رفعه.
والثاني: أنها الشديدةُ السَّموم، قاله مجاهد.
والثالث: الشديدة الصَّوت، قاله السدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.
والرابع: الباردة الشديدة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {في أيّامٍ نَحِساتٍ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {نَحْساتٍ} بإسكان الحاء؛ وقرأ الباقون: بكسرها. قال الزجاج: من كسر الحاء، فواحدُهن نَحِس. ومن أسكنها فواحدُهن نَحْس؛ والمعنى: مشؤومات.
وفي أوَّل هذه الأيّام ثلاثة أقوال:
أحدها: غداة يوم الأحد، قاله السدي.
والثاني: يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.
والثالث: يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام. والخِزْي: الهوان.
قوله تعالى: {وأمّا ثمودُ فهدَيناهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: بيَّنَّا لهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقال قتادة: بَيَّنَّا لهم سبيل الخير والشر.
والثاني: دَعَوْناهم، قاله مجاهد.
والثالث: دَللْناهم على مذهب الخير، قاله الفراء.
قوله تعالى: {فاستَحبُّوا العمى} أي: اختاروا الكفر على الإِيمان، {فأخذتهم صاعقةُ العذاب الهُون} أي: ذي الهوان، وهو الذي يُهينهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5